أولًا: أقوال بعض الصحابة والتابعين في اسم الله (الباطن):
1- قال ابن عباس: {الباطن}: معناه هو العالم بالظاهر والباطن بلا إعلام أحد. [تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، ينسب: لعبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - (المتوفى: 68هـ) 1/456].
ثانيًا: أقوال بعض المفسرين في تفسير اسم الله (الباطن):
1- قال الطبري: {الباطن}: وهو الباطن جميع الأشياء، فلا شيء أقرب إلى شيء منه، كما قال: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) . [تفسير الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري (المتوفى: 310هـ)، 23/168].
2- قال السمرقندي: {الباطن}: يعني: العالم بكل شيء، ويقال الْباطِنُ يعني: المبطن، ويقال الْباطِنُ يعني: خالق الجن، والشياطين الذين لا يظهرون، ويقال الْباطِنُ يعني: منه نعمة ظاهرة، ويقال هو الرب الواحد. [بحر العلوم، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي (المتوفى: 373هـ)، 3/401].
3- قال الماوردي: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: الظاهر فوق كل شيء لعلوه , والباطن إحاطته بكل شيء لقربه , قاله ابن حيان. الثاني: أنه القاهر لما ظهر وبطن كما قال تعالى: {فَأَيَّدْنَا الَّذِينَءَامَنُوا عَلَى عَدُوِّهِم فَأصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ}. الثالث: العالم بما ظهر وما بطن. ولأصحاب الخواطر في ذلك ثلاثة أوجه: الأول: الباطن في علمه ببواطن الامور. الثاني: الباطن على قلوب أعدائه حين ينكرونه. الثالث: الباطن محيط بكل مكتوم. (تفسير الماوردي - النكت والعيون، أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)، 5/ 469].
4- قال فخر الدين الرازي: {الباطن}: وأما كونه تعالى باطنا فمن وجوه الأول: أن كمال كونه ظاهرا سبب لكونه باطنا، فإن هذه الشمس لو دامت على الفلك لما كنا نعرف أن هذا الضوء إنما حصل بسببها، بل ربما كنا نظن أن الأشياء مضيئة لذواتها إلا أنها لما كانت بحيث تغرب ثم
ترى أنها متى غربت أبطلت الأنوار وزالت الأضواء عن هذا العالم، علمنا حينئذ أن هذه الأضواء من الشمس، فههنا لو أمكن انقطاع وجود الله عن هذه الممكنات لظهر حينئذ أن وجود هذه الممكنات من وجود الله تعالى، لكنه لما دام ذلك الجود ولم ينقطع صار دوامه وكماله سببا لوقوع الشبهة، حتى إنه ربما يظن أن نور الوجود ليس منه بل وجود كل شيء له من ذاته، فظهر أن هذا الاستتار إنما وقع من كمال وجوده، ومن دوام جوده، فسبحان من اختفى عن العقول لشدة ظهوره، واحتجب عنها بكمال نوره.
الوجه الثاني: أن ماهيته غير معقولة للبشر البتة، ويدل عليه أن الإنسان لا يتصور ماهية الشيء إلا إذا أدركه من نفسه على سبيل الوجدان كالألم واللذة وغيرهما أو أدركه بحسه كالألوان والطعوم وسائر المحسوسات، فأما ما لا يكون كذلك فيتعذر على الإنسان أن يتصور ماهيته البتة، وهويته المخصوصة جل جلاله ليست كذلك فلا تكون معقولة للبشر، ويدل عليه أيضا أن المعلوم منه عند الخلق، إما الوجود وإما السلوب، وهو أنه ليس بجسم ولا جوهر، وإما الإضافة، وهو أنه الأمر الذي من شأنه كذا وكذا، والحقيقة المخصوصة مغايرة لهذه الأمور فهي غير معقولة ويدل عليه أن أظهر الأشياء منه عند العقل كونه خالقا لهذه المخلوقات، ومتقدما عليها، وقد عرفت حيرة العقل ودهشته في معرفة هذه الأولية. [مفاتيح الغيب - التفسير الكبير، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي خطيب الري (المتوفى: 606هـ)، 29/447 – 448].
5- قال البيضاوي: {الباطن}: حقيقة ذاته فلا تكتنهها العقول، أو الغالب على كل شيء والعالم بباطنه. [أنوار التنزيل وأسرار التأويل، ناصر الدين أبو سعيد عبد الله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (المتوفى: 685هـ)، 5/185].
6- قال ابن كثير: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}: وهذه الآية هي المشار إليها في حديث العرباض بن سارية: أنها أفضل من ألف آية. [تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي (المتوفى: 774هـ)، 7/6].
7- قال الثعالبي: {الباطن}: بلطفه وغوامض حكمته وباهر صفاته التي لا تصل إلى معرفتها على- ما هي عليه - الأوهام. [تفسير الثعالبي، أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي (المتوفى: 875هـ)، 5/378].
8- قال جلال الدين المحلي والسيوطي: {الباطن}: عن إدراك الحواس. [تفسير الجلالين، جلال الدين محمد بن أحمد المحلي (المتوفى: 864هـ) وجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (المتوفى: 911هـ)، 1/718].
9- قال الآلوسي: {الباطن} بكنهه سبحانه فلا تحوم حوله العقول. [روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ) 14/167].
ثالثًا: أقوال بعض أهل العقيدة في اسم الله (الباطن):
1- قال ابن منده: ومعنى الباطن: المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكيفية صفاته عز وجل. [التوحيد ومعرفة أسماء الله عز وجل وصفاته على الاتفاق والتفرد لابن منده، أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن مَنْدَه العبدي (المتوفى: 395هـ) 2/82].
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية: {الباطن}: بطن علمه بخلقه، فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه، ووصفه بها نبيه، وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11] ، لم تره العيون فتحده كيف هو، ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان. [الفتوى الحموية الكبرى، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني (المتوفى: 728هـ)، 1/360].
3- وقال ابن القيم: وأَما التعبد باسمه الباطن، فإِذا شهدت إِحاطته بالعوالم وقرب العبيد منه وظهور البواطن له وبدوِّ السرائر له وأَنه لا شيء بينه وبينها فعامله بمقتضى هذا الشهود، وطهر له سريرتك فإِنها عنده علانية وأَصلح له غيبك فإِنه عنده شهادة وزكِّ له باطنك فإِنه عنده ظاهر.
فانظر كيف كانت هذه الأَسماءُ الأَربعة جماع المعرفة بالله، وجماع العبودية له.
[طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم 1/25 – 26].
4- قال الهراس: {هو الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} الجملة هنا جاءت معرفة الطرفين؛ فهي تفيد اختصاصه سبحانه بهذه الأسماء الأربعة ومعانيها على ما يليق بجلاله وعظمته، فلا يثبت لغيره من ذلك شيء، فالأول والآخر: بيان لإحاطته الزمانية.
والظاهر والباطن: بيان لإحاطته المكانية.
كما أن اسمه الظاهر يدل على أنه العالي فوق جميع خلقه، فلا شيء منها فوقه.
فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن.
فاسمه الأول: دال على قدمه وأزليته.
واسمه الآخر: دال على بقائه وأبديته.
واسمه الظاهر: دال على علوه وعظمته.
واسمه الباطن: دال على قربه ومعيته. [شرح العقيدة الواسطية، ويليه ملحق الواسطية، محمد بن خليل حسن هرّاس (المتوفى: 1395هـ) 1/88 - 89].